فصل: الخبر عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين على العراقين وفارس والمستبدين على الخلفاء ببغداد من خلافة المستكفي إلى أن صاروا في كفالتهم وتحت حجرهم إلى انقراض دولتهم وأولية ذلك ومصايره.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير معز الدولة بن بويه إلى كرمان وهزيمته.

لما ملك عماد الدولة بن بويه وأخوه ركن الدولة بلاد فارس والجيل بعثا أخاهما الأصغر معز الدولة إلى كرمان خالصة له فسار في العسكر إليها سنة أربع وعشرين وثلثمائة واستولى على السيرجان وكان إبراهيم بن سيجور الدواني قائد ابن سامان يحاصر محمد بن الياس ابن أليسع في قلعته هنالك فلما بلغه خبر معز الدولة سار من كرمان إلى خراسان وخرج محمد بن الياس من القلعة التي كان محاصرا بها إلى مدينة قم على طرف المفازة بين كرمان وسجستان فسار إلى جيرفت وهي قصبة كرمان.
وجاء رسول علي بن أبي الزنجي المعروف بعلي بن كلونة أمير القفص والبلوص كان هو وسلفه متغلبين على تلك الناحية ويعطون طاعتهم للأمراء والخلفاء على البعد يحملون إليهم المال فلما جاء رسوله بالمال امتنع معز الدولة من قبوله إلا بعد دخول جيرفت فلما دخل جيرفت صالحه وأخذ رهنه على الخطبة له وكان علي بن كلونة قد نزل بمكان صعب المسلك على عشرة فراسخ من جيرفت فأشار على معز الدولة بعض أصحابه أن يغدر به ويكبسه ففعل ذلك وأتى لعلي بن كلونة عيونه بالخبر فأرصد جماعة لمعز الدولة بمضيق في طريقه فلما مر بهم ساريا ثاروا به من جوانبه وقتلوا من أصحابه وأسروا وأصابته جراح كثيرة وقطعت يده اليسرى من نصف الذراع وأصابع يده اليمنى وسقط بين القتلى وبلغ الخبر إلى جيرفت فهرب أصحابه منها وجاء علي بن كلونة فحمله من بين القتلى إلى جيرفت وأحضر الأطباء لعلاجه وكتب إلى أخيه عماد الدولة يعتذر ويبذل الطاعة فأجابه وأصلحه وسار محمد بن الياس من سجستان إلى بلد خبابة فتوجه إليه معز الدولة وهزمه وعاد ظافرا ومر بابن كلونة فقاتله وهزمه وأثخن في أصحابه وكتب إلى أخيه عماد الدولة بخبره مع ابن الياس وابن كلونة فبعث قائدا من قواده واستقدمه إليه بفارس فأقام عنده باصطخر إلى أن قدم عليهم أبو عبد الله البربدي منهزما من ابن رائق ويحكم المتغلبين على الخلافة ببغداد فبعث عماد الدولة أخاه معز الدولة وجعل له ملك العراق عوضا عن ملك كرمان كما يذكر بعد.

.استيلاء ماكان على جرجان وانتقاضه على ابن سامان.

قد ذكرنا انهزام ماكان على جرجان أيام بانجين الديلمي ورجوعه إلى نيسابور فأقام بها ثم بلغ الخبر بمهلك بانجين بجرجان فاستأذن ماكان محمد بن المظفر في الخروج لاتباع بعض أصحابه هرب عنه وطالبه به عارض الجيش فأذن له وسار إلى أسفراين وبعث معه جماعة من عسكره إلى جرجان فاستولى عليها ثم أظهر لوقته الانتقاض على ابن المظفر وسار إليه بنيسابور فتخاذل أصحابه وهرب عنها إلى سرخس وعاد عنها ماكان خوفا من اجتماع العساكر عليه وذلك في رمضان سنة أربع وعشرين وثلثمائة.

.الخبر عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين على العراقين وفارس والمستبدين على الخلفاء ببغداد من خلافة المستكفي إلى أن صاروا في كفالتهم وتحت حجرهم إلى انقراض دولتهم وأولية ذلك ومصايره.

قد تقدم لنا التعريف ببني بويه وذكر نسبهم وهم من قواد الديلم الذين تطاولوا للاستيلاء على أعمال الخلفاء العباسيين ولما لم يروا عنها مدافعا ولا لها حامية فتنقلوا في نواحيها وملك كل واحد منهم أعمالا منها واستولى بنو بويه على أصفهان والري ثم انعطفوا على بلاد فارس فملكوا أرجان وما إليها ثم استولوا على شيراز وأعمالها وأحاطوا بأعمال الخلافة بنواحي بغداد من شرقها وشمالها وكانت الخلافة قد طرقها الإعلال وغلب عليها الموالي والصنائع وقد كان أبو بكر محمد بن رائق عاملا بواسط واضطرب حال الراضي ببغداد فاستقدمه وقلده إمارة الجيوش ونعته أمير الأمراء وكان بنو البريدي في خوزستان والأهواز فغصوا به ووقعت الوحشة بينه وبينهم فبعث ابن رائق بدرا الخرشني ويحكم الذي نزع إليه أتراك مرداويج فساروا في العسكر لقتال ابن البريدي واستولوا على الأهواز سنة خمس وعشرين وثلثمائة ولحق ابن البريدي بعماد الدولة بن بويه لما ملك العراق وسهل عليه أمره وذلك عند رجوع أخيه معز الدولة من كرمان وامتناعها عليه كما ذكرناه فبعث معه العساكر.

.استيلاء معز الدولة بن بويه على الأهواز.

لما لحق أبو عبد الله البريدي بعماد الدولة ناجيا من الأهواز مستنجدا له بعث أخاه معز الدولة في العساكر بعد أن أخذ منه ابنيه أبا الحسن محمدا وأبا جعفر الفياض رهنا وسار معز الدولة سنة ست وعشرين وثلثمائة فانتهى إلى أرجان ويحكم جاء للقائهم وانهزم أمامهم إلى الأهواز فأقام بها وأنزل بها بعض عسكره في عسكر مكرم فقاتلوا معز الدولة ثلاثة عشر يوما ثم انهزموا إلى تستر فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم وأنفذ ابن البريدي خليفته إلى الأهواز ثم بعث إلى معز الدولة بأن ينتقل إلى السوس ويبعد عنه فيؤمن له الأهواز فعزله وزيره أبو جعفر الصيمري وغيره من أصحابه وأروه أن البريدي يخادعه فامتنع معز الدولة من ذلك وبلغ اختلافهم إلى يحكم فبعث عسكرا من قبله فاستولى على الناس وجند نيسابور وبقية الأهواز بيد ابن البريدي وعسكر مكرم بيد معز الدولة وضاق حال جنده وتحدثوا في الرجوع إلى فارس فواعدهم لشهر وكتب إلى أخيه عماد الدولة بالخبر فبعث إليه مددا من العسكر فعادوا واستولوا على الأهواز وسار يحكم من واسط فاستولى على بغداد وقلده الراضي إمارة الأمراء وهرب ابن رائق فاختفى ببغداد.